Pharaoh Lover
مرحبا بك ايها الزائر

نحن لا نجبرك علي التسجيل

فكل الروابط متاحه للأعضاء والزوار

ولكن ان اردت ان تشاركنا فتفضل بالتسجيل معنا والانضمام لأسرتنا
Pharaoh Lover
مرحبا بك ايها الزائر

نحن لا نجبرك علي التسجيل

فكل الروابط متاحه للأعضاء والزوار

ولكن ان اردت ان تشاركنا فتفضل بالتسجيل معنا والانضمام لأسرتنا
Pharaoh Lover
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

Pharaoh Lover

الحزن___أن تتحق بعد حلم...وألتقيك بعد أمنيه...وأن تأتي بعد إنتظار...وأن أجدك بعد بحث...وأن أستيقظ على زلزال رحيلك
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الحقيقة هى...الحب... الكاتبة رباب فؤاد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Bisso
المدير
المدير
Bisso


المساهمات : 282
تاريخ التسجيل : 23/03/2012
العمر : 28
الموقع : https://kingbisso.yoo7.com

الحقيقة هى...الحب... الكاتبة رباب فؤاد Empty
مُساهمةموضوع: الحقيقة هى...الحب... الكاتبة رباب فؤاد   الحقيقة هى...الحب... الكاتبة رباب فؤاد Icon_minitimeالأربعاء مايو 02, 2012 4:41 pm



الحقيقة...الحب... الكاتبة ::: رباب فؤاد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تابعوا معنا

الحقيقة....الحب

إهداء

أحداث هذه القصة غير حقيقية...
ولكنني إستندت فيها على ما شعرت بإحتمالية حدوثه في أي مكان لا يحظى فيه العلماء بمكانتهم
و المشكلة هي أننا لا نشعر بمدى فظاعة جرمنا هذا في حق من يعانون بالفعل من أجل رفعة هذا الوطن
لهذا... أهدي هذا الجهد المتواضع إلى كل من سهر الليالي وراء بحث من شأنه أن يغير وجه العالم للأفضل
ولا أقول أنني قدمت حلاً للمشكلة لأنها أعمق بكثير مما نتصور
كل ما أدّعيه هو أنني ألقيت الضوء على ما رأيته غافلاً عن الكثيرين منا
وأدعو الله عز وجل أن أرى اليوم الذي يصير فيه الباحث أشهر من لاعب كرة القدم.
إهداء إلى كل عباقرة بلادي وجنودها المجهولين الذين ساهموا في نهضة هذا البلد الكريم...
إلى كل من يبذل قصارى جهده من أجل إعلاء شأن هذا الوطن...
إلى كل مخلص في ميدان عمله...
الحقيقة خلف كل ما نفعله هي الحب.
حبنا لوطننا هو الدافع الحقيقي للنجاح.
شكر خاص إلى كل من ساهموا في إخراج هذا العمل إلى النور.
رباب
1- إرتفع طرق خفيض على باب حجرة رئيس قسم الفيزياء الحيوية بكلية العلوم، فإنتبه له هذا الأخير ورفع رأسه الأشيب عن الأوراق الموضوعة أمامه وهو يقول بوقار ولهجة قيادية ـ"أدخل."
وكأنما كان الطارق في انتظار الإذن بالدخول، إذ انفتح الباب في سرعة وظهرت خلفه حسناء في منتصف العشرينات من عمرها تخفي نصف وجهها خلف نظارة طبية ذات إطار عاجي عدلت من وضعه على أنفها وهي تقول بإرتباك ـ"صباح الخير يا دكتور(عثمان).. أتسمح لي بقليل من وقتك؟"
ترك دكتور(عثمان) الأوراق من يده وهو يقول بثقةـ"بالطبع يا دكتورة(سارة)."
شجعها ترحيبه على الدخول خاصة حين أشار إليها بالجلوس أمامه، فجلست وعيناها أرضاً، إلا أن عينيه اللماحتين لاحظتا من فورهما الدموع المتحجرة في مقلتيها فقال بهدوء حنون ـ"ما الذي ضايق تلميذتي النجيبة؟ أهي إحدى تجاربك؟"
رفعت وجهها إليه لتقول بصوت تخنقه الدموع ـ"ليتني ما كنت نجيبة ولا متفوقة، وليتني ما عُينت معيدة بالكلية وليتني..."
قاطعها بإشارة من يده قائلاً بإنزعاج ـ"ما كل هذا؟ ما سبب هذا الإحباط؟"
أفلتت دمعة خبيثة من إحدى عينيها وهي تسأله بخفوت ـ"هل كنت تعلم أنني لن أحصل على منحة الدكتوراه؟"
تنهد الدكتور(عثمان) بأسف قائلاً ـ"علمت اليوم للأسف، رغم أنني فعلت كل ما بوسعي كي تحصلي عليها، ولكن قرار اللجنة نهائي. لا يوجد لديهم إعتماد مالي كافي لتغطية منحتك أنت وزملائك."
لم تستطع منع دموعها من الإنهمار وهي تقول بخيبة أمل لا حد لهاـ"وما الحل؟ هل سأفقد مستقبلي لعدم وجود إعتماد مالي كافي؟ما دام الدعم للبعثات غير كاف لماذا لا يجهزون معاملنا بشكل أفضل؟أليس ظلماً أن أفقد أنا وأكثر من عشرة معيدين بباقي أقسام الكلية بعثاتنا إلى انجلترا وباقي دول أوروبا؟"
تنهد الرجل ثانية وقلب كفيه قائلاً ـ"لقد جف حلقي وأنا أحاول أن أعرف أسباباً أكثر إقناعاً لإلغاء بعثاتكم، لكن كل ما يقولونه هو عدم وجود إعتماد مالي. صدقيني يا ابنتي لو كنت أستطيع إرسالك على حسابي الخاص لفعلت، ولكنك تعلمين أن دكتور الجامعة أصبح من الفئات التي لا تحصل على حقوقها ولا يهتم أحد بتقديره وتساوى مع زملاؤه ممن تخرجوا بأقل التقديرات. على الأقل هم يعملون وبكل بساطة يدخل الراتب إلى جيوبهم دون تعب، في حين نظل نحن ننقب ونعمل ونجرب وندرس حتى نحصل على الدكتوراه ولا يحظى أي منا بالتقدير الذي يستحقه."
كفكفت(سارة) دمعها وإكتسب صوتها نبرة يأس وهي تسأله ـ"ما زلت أجهل الحل.هل أقدم استقالتي وأضحي بالماجستير التي واصلت في دراستها الليل بالنهار وأكتفي بأن أكون ربة بيت؟لماذا أدرس؟لقد انضممت إلى أسرة هذا القسم لرغبتي في أن أحرز تقدماً يخدم بلدي مصر، لكن يبدو أنه لا مكان لي وسط علماؤها."
هتف بها معترضاًـ"كيف تقولين هذا؟أنت من أفضل المعيدات هنا بالكلية وبإذن الله سيكون لك مستقبل باهر.ربما لا نحصل الآن على ما نستحقه من تقدير، لكننا سنحصل عليه يوماً ما.يجب ألا تيأسي."
عادت نبرة اليأس إلى صوتها وهي تقول ـ"ومتى يأتي هذا اليوم؟ولماذا نفتقد هذا التقدير من الأساس؟ من أحق به منا؟نحن ندرس ونبحث طوال الوقت كي نعيد لهذا الوطن أمجاده وهو يتجاهلنا!؟"
ضحك باستهزاء قائلاًـ"حالياً، هناك فئتين تحصلان على كل التقدير."
عقدت حاجبيها متسائلة فأشار إلى جريدة مجاورة قائلاً ـ"الفنانين ولاعبي كرة القدم، وحسبما أرى فأنت لا ينقصك الجمال ولا الرشاقة لتكوني نجمة سينما. وقتها فقط سيقدرونك."
اتسعت عيناها وهي تسأله باستنكار ـ"وماذا عن دراستي وهدفي و..."
قاطعها قائلاً بجدية أخافتها ـ"لو صرت نجمة سينما وأنهيت الدكتوراه في نفس الوقت ستكتب عنك جميع الصحف وربما تتعرض لرسالتك بالشرح والتحليل و تنالين شهرة فوق شهرتك، وربما صار هذا سبباً لمعرفة رجل الشارع العادي بالفيزياء الحيوية."
زفرت في إحباط ولم تفلح سخرية مشرفها في تخفيف ضيقها، بل على العكس زادت من إحساسها بعدم جدوى دراستها وقبل أن تنطق عبارة يائسة أخرى اندفع رجل إلى داخل الغرفة على حين غرة فانتفضت(سارة) في جلستها وهتف به الدكتور(عثمان) قائلاً ـ"ما هذا يا دكتور(فكري)؟ألم أخبرك أكثر من مرة أن تطرق الباب قبل أن تفتحه؟"
أشاح(فكري) بذراعه في الهواء قائلاً ـ"دعك من هذه الرسميات، ثم أن الباب لم يكن مغلقاً. هل كنت تعلم بعدم وجود دعم كاف لبعثة(سارة)؟"
ولأول مرة لاحظ وجودها بالغرفة ولاحظ إحمرار جفنيها فقال ليجيب سؤاله ـ"يبدو أنكم على علم بالخبر."
ثم تقدم ليجلس أمام(سارة) قبل أن يقول في غيظ ـ"أمعقول هذا؟أيفقد أكثر من عشرة معيدين بعثاتهم ومستقبلهم لعدم وجود دعم مالي؟"
قلب الدكتور(عثمان) كفيه قائلاً ـ"وماذا عساي أن أفعل؟ لقد فعلت كل ما بوسعي لإلغاء هذا القرار.الحل الوحيد هو أن تواصل(سارة) دراستها هنا أو أن تسافر إلى انجلترا على نفقتها الخاصة."
هب الدكتور(فكري) من مقعده هاتفاً بانفعال ـ"أي عدل هذا؟ لا تعجب إذاً لو فقدت هذه الشابة كل إنتماء لديها لهذا الوطن الذي لا يستطيع تحقيق حلمها."
ثم أردف في غيظ ـ"ولا تعجب أيضاً لأننا لا نحظى بأي اهتمام ما دمنا لا ننتمي لطائفة الفنانين أو لاعبي كرة القدم."
ارتسمت ابتسامة جانبية على شفتي دكتور(عثمان) وتمتم قائلاً ـ"هذا ما كنت أقوله لـ(سارة) قبل إقتحامك المكتب، واقترحت عليها أن تعمل ممثلة."
أشاح الدكتور(فكري) بذراعه ثانية وقال وهو يدور في أرجاء الغرفة ـ"ليتني كنت أستطيع لعب كرة القدم، كنت أضحيت مليونيراً. إن مكافأة الفوز لأقل لاعب تكفي للإنفاق على طالب بعثة لمدة ستة أشهر على الأقل. أتعلم، لو ألغوا الفريق القومي لكرة القدم ووزعوا رواتب اللاعبين والمدرب الأجنبي على جامعات مصر ما تحججت لجنة البعثات بعد وجود دعم مالي كافي."
تنهدت(سارة) في عمق وعادت الدموع تخنق صوتها وهو تقول ـ"ما زلت أجهل الحل.ماذا أفعل؟"
نهض الدكتور(عثمان) من خلف مكتبه قائلاً ـ"واصلي دراستك هنا يا(سارة)، لقد توصلت لنتائج مبهرة في رسالة الماجستير، وبإمكانك أن تحققي نتائج أفضل منها في رسالة الدكتوراه هنا في مصر. لقد أعطينا الغرب أساس حضارتهم وما زال بإمكاننا التفوق عليهم بأقل الإمكانيات. لا تيأسي يا ابنتي، وستنجحين بإذن الله."
أومأت برأسها في صمت وهي تنهض بدورها وتطلب الإذن بالانصراف.


********************************************

2- جلس شاب في مقتبل العمر مسترخياً على أريكة وثيرة يقرأ بتمعن ورقة ما أن أنهاها حتى طواها بعناية وإلتقط من جواره هاتفه المحمول وضرب أحد أزراره وإنتظر حتى تناهى إلى مسامعه رنين يميز المكالمات الدولية وأتاه من الطرف الآخر صوت نسائي متلهف يقول في سرعة ـ"ألو..(باسل)!!"
ابتسم(باسل) واكتسى صوته بنبرة حنان وهو يقول ـ"نعم يا أماه..أنا(باسل).كيف حالكم جميعاً؟"
قالت أمه بنفس اللهفة ـ"الحمد لله، جميعنا بخير، كيف حالك أنت؟هل وصلك خطابي؟"
إتسعت ابتسامته وهو يداعب الورقة المطوية إلى جواره قائلاً ـ"أنا بخير والحمد لله، وقد أنهيت قراءة خطابك للتو.عندما طلبت منك البحث عن عروس لي لم أتخيل أن لديك هذا الكم من الفتيات في إنتظاري."
سألته في سرعة و اهتمام ـ"المهم، ما رأيك؟"
قال في خبث ـ"حسبما أتذكر فكلهن جميلات وذوات أصل طيب. من تفضلين أنت؟"
هزت الأم كتفيها قائلة ـ"سيان بالنسبة لي. المهم من يرتاح إليها قلبك أنت."
عقد(باسل) حاجبيه للحظة مفكراً قبل أن يقول ـ"ماذا عن(سارة) ابنة عمي(محمود)؟ لقد دُهشت عندما رأيت اسمها وسط قائمة المرشحات. ألم تتزوج بعد؟"
أجابته أمه في ثقة قائلة ـ"ليس بعد، لقد حصلت على الماجستير منذ فترة وتستعد للدكتوراه. ربما كانت مناسبة لك إذا حصلت على بعثتها المنتظرة في انجلترا."
عقد حاجبيه ثانية وقال مندهشاً ـ"أمازالت مصرة على نيل الدكتوراه؟عجيب جداً أمر هذه الفتاة. لقد إقتربت للغاية من تحقيق حلم طفولتها."
سألته أمه في لهفة ـ"أهي إذاً عروسك المنتظرة؟"
أجابها في سرعة ـ"ليس بعد، دعيني أفكر قليلاً وسأهاتفك ثانية لأخبرك برأيي النهائي، وعلى أي حال سأعود للقاهرة بعد نحو أسبوعين أو ثلاثة بإذن الله."
قالت أمه بحنان أموي صادق ـ"بألف سلامة إن شاء الله. عندما تتصل في المرة القادمة حاول تأخير مكالمتك قليلاً كي تستطيع محادثة أباك بعد عودته من العمل مادام لا يحب إستخدام أجهزة المحمول."
وحينما أنهى اتصاله مع أمه أغمض عينيه وشرد بذهنه بعيداً، أيام كان طفلاً صغيراً يلعب مع أبناء صديق والده الحميم. كانت(سارة) الابنة الصغرى وكانت دوماً تشاكسه بقولها أن مستواه العلمي لا يرقى لمستواها، ورغماً عنه ضحك وهو يتذكر شكلها وهي ما زالت في المرحلة الابتدائية وترتدي نظارة طبية بلا داعي وتقص شعرها الكستنائي الناعم مثل الأولاد بحجة أنها لا تريد تضييع وقتها في العناية به وتتحدث طوال الوقت عن أينشتين والنظرية النسبية. كان كلامها يفوق سنها ولذلك كان يحب مشاكستها هو الآخر. كانت على طرفي نقيض من شقيقها الأكبر وصديق طفولته(مهند) وشقيقتها الكبرى(نهاد). بالنسبة إليه كان(مهند)و(نهاد) ينتميان إلى فئة الأطفال الطبيعيين، أما(سارة) فكانت غير طبيعية إطلاقاً، ومع ذلك كان يذهب إلى بيتهم لا لشيء إلا ليستمتع برؤيتها ومشاكستها. وظل على هذه الحالة حتى إلتحق هو بكلية التجارة إلى جوار ممارسته كرة القدم، وإلتحق(مهند) بكلية الحقوق و(نهاد) بكلية التربية، وعلم فيما بعد بإلتحاق(سارة) بكلية العلوم ولم يرها منذ حفل زفاف(مهند). يومها لم يندهش كثيراً، كانت كما هي بنظارتها الطبية وشعرها القصير، ومع ذلك كانت أجمل الفتيات في نظره.
ترى ماذا ستقول حينما يتقدم لخطبتها؟ إنها لم تقتنع يوماً بمهنته كلاعب كرة قدم وطالما ظنتها مهنة تافهة. أيعقل أن ترضى به زوجاً؟ ولم لا؟ إنه محاسب ولديه شركة استيراد وتصدير في القاهرة يديرها والده بالإضافة إلى عمله كلاعب كرة محترف، أي أنه لا ينقص عنها في شيء.
لكن أهم شيء هو هل ستتجاوب معه؟ هل ستبادله مشاعره التي يكنها لها منذ كانا صغاراً؟
العجيب أنه لم يفكر ولو للحظة واحدة في أي من الفتيات الأخريات المرشحات في خطاب أمه، فما أن رأى اسم(سارة) حتى إستيقظ بداخله الحب القديم الذي طالما أقض مضجعه وهو مراهق وظنه صار ذكرى. ذكرى!!؟ لكن وجهها لم ولن يصبح ذكرى، إنه مازال محفوراً في ذاكرته: عيناها كانتا دوماً مصدر حيرته، ففي المرات القليلة التي اخترق فيها بصره نظارتها الطبية كان يرى عينيها مرة سوداء ومرة بنية حتى استقر رأيه أخيراً على أن لونهما بني داكن. أما شعرها فكان أفتح من لون عينيها قليلاً وكان دوماً قصيراً وتتدلى خصلة متمردة منه على جبهتها فترفعها(سارة) بعصبية كيلا تشتت إنتباهها. ثم تذكر إبتسامتها، فقد كان وجهها يشرق حين تبتسم وتزداد جمالاً فوق جمالها خاصة حين تزدان وجنتيها بغمازتين لطيفتين تعطيانها مظهراً بريئاً.
كان يحبها بكل خلجة من خلجاته إلا أنه لم يعترف يوماً بهذا الحب. واليوم فقط، حين قرأ خطاب أمه إكتشف أن المسمى الوحيد لمشاعره تجاه(سارة) هو الحب، وخوفه من ردة فعلها كان مبعث تردده في إعلان هذا الحب.
وكعادته، نهض ليتوضأ ويصلي صلاة استخارة كي يهدأ بالاً ويستقر على الرأي الذي سيبلغه لأهله.

********************************

3-- فتحت(سارة) باب شقة والديها في ضيق بدا جلياً على ملامحها الرقيقة في مزيج عجيب، وألقت حقيبة يدها وحقيبة أوراقها وسلسلة المفاتيح على أول مقعد صادفها في تأفف، وقبل أن تجلس على المقعد المجاور فوجئت بابن شقيقتها الصغير يهرع إليها فاتحاً ذراعيه وعلى وجهه ابتسامة ترحيب واسعة ويقول بسعادة ـ"آتو...آتو."
وبسرعة غريبة اختفى الضيق المرتسم على وجه(سارة) وهي تلتقط الصغير بين ذراعيها وترفعه عالياً قائلة ـ"حبيبي(مرموري)، أوحشتني."
أتاها صوت شقيقتها من ناحية المطبخ يقول ـ"لقد أوحشته أنت أيضاً، فـ(مروان) لم يرك منذ أسبوع يا قاسية القلب."
اتجهت(سارة) إليها لتعانقها بحب قائلة ـ"أن تعرفين مدى حبي لـ(مروان) ولولا انشغالي في الكلية ما تركته هذه المدة. لماذا لم تحضري أنت؟"
خاطبت(نهاد) طفلها قائلة ـ"قل لآتو أننا كنا مشغولين في الامتحانات وأنك كنت مقيم عند جدو(سعيد) لأنك لم ترد إزعاجها."
قبلت(سارة) الصغير في شغف قائلة ـ"ولا يهمك يا أستاذ(مروان)، خالتو لن تعترض على وجودك لأنك باختصار حبيبها الوحيد."
ربتت شقيقتها على كتفها قائلة بخبث ـ"حينما تتزوجين لن يصبح(مرموري) حبيبك الوحيد."
تنهدت(سارة) في عمق وهي تقول بإحباط ـ"يبدو أن مصيري هو الجلوس في المنزل في انتظار ابن الحلال، خاصة بعد ضياع البعثة."
تبادلت(نهاد) نظرة خبيثة مع أمها قبل أن تربت ثانية على كتف شقيقتها في إشفاق قائلة ـ"يا حبيبتي، مصيرنا جميعاً نحن النساء هو أزواجنا وأطفالنا. في النهاية نتساوى جميعاً."
همت(سارة) بالاعتراض حينما باغتها صوت أمها من المطبخ يقول ـ"استبدلي ملابسك يا(سارة)، فأباك وزوج أختك على وصول. أسرعي كي تساعديني أنا وأختك."
وبعد الغذاء أشارت الأم لـ(سارة) وصحبتها إلى غرفتها قائلة بجدية ـ"أريدك في موضوع هام يا(سارة)."
بدا الاهتمام على وجه الابنة وهي تقول ـ"خيراً إن شاء الله يا أمي."
ترددت الأم للحظات قبل أن تحسم رأيها قائلة ـ"لقد تقدم عريس بطلب يدك وأبوك لم يعترض."
عقدت(سارة) حاجبيها لبرهة ثم ما لبثت أن قالت بسخرية ـ"عريس؟! لم أكن أعرف أنني مرفوع عني الحجاب. ومن هو هذا العريس؟"
أجابتها أمها في سرعة قائلة ـ"شاب من أسرة طيبة وابن حلال وأخلاقه ممتازة، والأهم أنك تعرفينه."
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي(سارة) وهي تقول ـ"لا أعتقد أنني أعرف شاباً بهذه المواصفات."
قالت أمها بإصرار ـ"بل تعرفينه، إنه(باسل) ابن عمك(حسان)."
حاولت(سارة) تذكر الاسم قبل أن تقول فجأة ـ"(باسل)؟!(باسل) صديق(مهند)؟"
أومأت الأم برأسها إيجاباً وقالت ـ"هو بعينه، محاسب محترم ولديه شركة استيراد وتصدير."
لم يبد على(سارة) الاقتناع بالجملة الأخيرة فسألت أمها بغتة ـ"ألم يكن(باسل) هذا لاعباً لكرة القدم؟"
بدا الحرج على وجه الأم بعد أن كشفت ابنتها ما حاولت إخفاؤه فقالت في سرعة ـ"بلى، وهو يلعب الآن في نادي مشهور بانجلترا."
رفعت(سارة) حاجبيها باندهاش مصطنع وقالت بصوت متهكم ـ"انجلترا؟!أخذوا أموال البعثة هنا وسافروا أيضاً لانجلترا؟! أماه...رأيي النهائي هو الرفض، لن أتزوج(باسل حسان) أبداً."

*********************************************

4- أغلق الدكتور(فكري) ملفاً يتضمن بضعة أوراق ووضعه أمامه على المكتب وهو يرفع رأسه ليواجه(سارة) وعينيها المترقبتين قائلاً بإعجاب ـ"رائع يا دكتورة(سارة)، بحث متميز حقاً وسيفيدك في المرحلة القادمة."
إرتسم الارتياح على ملامح(سارة) وعادت إليها بعضاً من ثقتها المهزوزة وهي تقول بابتسامة هادئة ـ"أشكرك يا دكتور(فكري)، لا تتصور كم أفادني ثناؤك هذا خاصة بعد..."
قاطعها بإشارة من يده قائلاً ـ"(سارة).. فقدانك للبعثة ليس نهاية المطاف. يمكنك نيل الدكتوراه هنا وبنفس الكفاءة. أنا متفهم بالطبع لمدى إحباطك لكني أطمع في أن أشرف على رسالتك هنا وأن تحصلي عليها بإمتياز مع مرتبة الشرف."
مطت شفتيها قائلة بضيق ـ"المشكلة لا تكمن في فقدان المنحة، لقد تقبلت الأمر ورضيت بقضاء الله عز وجل. المشكلة الحقيقية هي ضغوط أهلي لتزويجي."
رفع حاجبيه في دهشة وهتف باستنكار ـ"تزويجك؟! وتهملين مستقبلك العلمي؟ أي قول هذا؟"
مطت شفتيها ثانية وقالت ـ"يقولون أن مصير أي فتاه هو الزواج، وأنا لا أعترض على هذا، فبإمكاني التوفيق بين عملي وبيتي. إعتراضي مُنْصَب على الرجل الذي يرونه مناسباً لي، على وظيفته. تخيل يا دكتور..يعمل لاعب كرة محترف في إنجلترا، هل رأيت المهزلة؟"
إبتسم في تهكم قائلاً ـ"وأنت لا تستطيعين السفر لإستكمال دراستك."
وصمت قليلاً ثم برقت عيناه فجأة بفكرة قالها بإبتسامة جوفاء ـ"لو أردت رأيي إقبليه فوراً."
إتسعت عيناها في استنكار قائلة ـ"دكتور(فكري)!! ماذا تقول؟!!"
قلب كفيه قائلاً في بساطة ـ"ما سمعته. لقد أتتك الفرصة على طبق من فضة، أولاً العريس يعمل في إنجلترا وهذا يعني أنك ستسافرين إليه، وثانياً وهو الأهم أنه ينتمي للفئة التي إغتصبت حقك أنت وزملائك. تزوجيه وإنتقمي لنفسك وخذي من أمواله لتنفقي على منحتك الخاصة."
عقدت(سارة) حاجبيها مستنكرة وهي تقول ـ"لكني لا أتزوج للإنتقام يا دكتور. أنا أتزوج لأنه حقي كباقي الفتيات في سني. أتزوج رجلاً يناسبني كي أقضي معه بقية عمري. الحقيقة يا سيدي أنا لم أفكر في الأمر بنفس طريقتك على الإطلاق."
مط شفتيه قائلاً ـ"فكري كما يحلو لك ولكن بموضوعية. إذا كان أهلك يرونه مناسباً لك تزوجيه وسافري معه، ألا ترين أن الله عوضك عن البعثة بهذه الزيجة؟"
قالت بعدم اقتناع ـ"ولكني لا أحبه."
قال بثقة ـ"نحن العلماء لا نحب سوى عملنا. أما الحب الذي تقصدينه، حب السينما والروايات فلا مكان له في
عالمنا. عالمنا هو عالم الحقائق والوقائع فقط يا(سارة)."

*****************************************

5-أغلقت(نهاد) باب غرفتها القديمة خلفها وإستدارت تواجه شقيقتها قائلة في غيظ ـ"أتسمحين بتفسير سبب رفضك لـ(باسل)؟"
جلست(سارة) على طرف فراشها قائلة في حيرة ـ"لا أحبه يا(نهاد)."
قلدتها شقيقتها في سخرية قائلة ـ"لا أحبه يا(نهاد)؟! أي عذر هذا؟! هل كنت أحب(عبد الله) زوجي عندما تقدم لخطبتي؟ ألم تريني بنفسك مترددة بين الرفض والقبول متحججة بعملي؟ وما أن جلست معه مرتين حتى تقاربنا و أُعجبت به بل وأحببته بعدها، وها نحن الآن من أسعد الأزواج. صدقيني ستغيرين رأيك عندما تجلسين معه ثانية."
إلتوت ملامح وجه(سارة) وهي تقول ـ"أنت لم تعرفي(عبد الله) مسبقاً، أما أنا فأعرف(باسل) منذ كنا صغاراً ولم أحبه مطلقاً، على العكس كنت أراه دوماً ثقيل الظل."
هتفت(نهاد) باستنكار ـ"ثقيل الظل؟! والله لإنك أنت ثقيلة الظل. إن الإبتسامة لا تفارق وجهه. إنه أظرف أصدقاء(مهند). يكفي أدبه وذوقه وتدينه وخفة دمه. لقد تهافتت الفتيات عليه يوم زفاف شقيقك وأنت ترينه ثقيل الظل؟! والله ما أدر سر تمسكه بك، لابد وأنه فقد عقله ليتزوج رجلاً مثله."
إعترضت(سارة) بتخاذل قائلة ـ"(نهاد)؟!"
جذبتها(نهاد) من يدها لتوقفها أمام المرآة قائلة ـ"بالله عليك أهذا مظهر آنسة محترمة في الخامسة والعشرون من عمرها؟ زملاء(باسل)في الفريق شعرهم أطول من شعرك، ويهتمون به أكثر مما تهتمين أنت بدراستك."
خللت(سارة) شعرها بأصابعها قائلة في سرعةـ"بذكر الشعر، لم أقصه منذ شهرين. ذكريني بأن أذهب لمصفف الشعر كي أقصه."
ضغطت(نهاد) فكيها في غيظ قائلة من بين أسنانهاـ"إرحمني يا إلهي. ما من شك في أن(باسل) أصيب بلوثة عقلية كي يختارك زوجة له."
قالتها ولم تمنح شقيقتها فرصة للإعتراض إذ تابعت بلهجة المُدرسة مع تلميذتها الفاشلة قائلة ـ"غيري من مظهرك يا حبيبتي، غيري تصفيفة شعرك وغيري نظارتك هذه التي تعطيك عمراً يفوق عمرك الحقيقي. كوني على مستوى أناقته."
أشاحت(سارة) بوجهها بعيداً قائلة بامتعاض ـ"تتحدثين وكأني أصبحت زوجته بالفعل. كيف أتزوج رجلاً عيناه عينا قِط؟"
رفعت(نهاد) حاجبيها في دهشة هاتفة ـ"أتسمين عينيه الرماديتين بعيني قِط؟ لقد تمنيت أن يكون لـ(مروان) عينين كعيني(باسل) منذ رأيته في زفاف(مهند) وأنا حامل، وتقولين عيني قطط؟ بصراحة أنا لست مقتنعة بأي من أسبابك الواهية تلك، فالرجل لا يعيبه شيء. أم أنك كنت تريدين رجلاً مثل دكتور(فكري)؟"
أجابتها شقيقتها في حدة ـ"وما عيب الدكتور(فكري)؟ لقد حصل على الدكتوراه قبل أن يكمل عامه الثامن والعشرين و..."
قاطعتها(نهاد) قائلةـ"ويرتدي نظارة طبية سميكة ويهمل مظهره مثلما تهملين مظهرك تماماً. يا حبيبتي مثل هذا النوع من الرجال لا ينجح في زيجاته إن تزوج أصلاً. لو أردت نصيحتي فأنت بحاجة إلى رجل يحبك بالفعل. رجل مستعد لبذل قصارى جهده لإسعادك وليس لتنفيذ تجربة علمية جديدة. الرجال من نوعية(باسل) قادرون على إعطاء زوجاتهم الدفء والحنان الذي يحتجنه. أما نوعية الدكتور(فكري) فلا تقتنع بوجود حب من الأساس. صدقيني يا حبيبتي، أنت بحاجة إلى رجل مثل(باسل)."
لم يبد على(سارة) الاقتناع بحديث شقيقتها التي ربتت على كتفها قائلة بحنان اخوي ـ"مصلحتك عندي أهم من أي شيء في الوجود، وعندما أحبذ لك الارتباط بـ(باسل) فهذا يرجع إلى أنه شاب حسن التربية. يكفي أنه طلب من أمه اختيار عروساً مناسبة له والبنات يحطنه أينما يذهب، لكنه بحث عن الأصل الطيب. توضأي وصلي ركعتي استخارة وهي التي ستحدد القبول من الرفض."
قالتها وخرجت تاركة(سارة) تستلقي على فراشها في تكاسل وتستند برأسها على كفيها المعقودين لتحملق في سقف الحجرة وحركة المروحة الرتيبة، ودون أن تدري عادت بذاكرتها إلى لقاءها الأخير مع(باسل) الذي إنتهى قبل ساعة واحدة. إنها لا تتذكر ملابسه بالضبط، ربما كان يرتدي قميصاً وسروالاً. أكان القميص طويل الكم أم قصير؟ لم تشغل بالها بتلك التفاصيل التافهة، إنها لم تنظر إليه بتمعن من الأساس. لقد جلست في أول الغرفة بينما كان هو جالساً في نهايتها. حتى حين تصافحا لم تلتق أعينهما. ربما تكون ملامحه تغيرت قليلاً، فهي لم تره منذ زفاف شقيقها قبل عامين. لقد لاحظت نحول وجهه قليلاً، ربما من المجهود الزائد في لعب الكرة، هكذا حدثها عقلها في سخرية. المهم أن ملامحه كما هي، نفس العينان الرماديتان ونفس الشعر الأسود الفاحم، نفس الوجه الوسيم والإبتسامة اللطيفة. إبتسامته الآن لطيفة لكنها لم تكن قبل ذلك. التغير الواضح هو أنه لم يشاكسها كالمعتاد، مؤكد أنه نضج عقلياً.
نضج عقلياً؟!! في سنه تلك حصل الدكتور(فكري) على الدكتوراه، وماذا أنجز هو؟حصل على عقد احتراف بنادي إنجليزي!!! يا للبراعة.
من المؤكد أنه نضج بالفعل، وإلا لماذا خاطبها برقة وحنان حينما إنتقلت لتجلس على المقعد المجاور له؟ أم تراه يؤجل مشاكساته للزيارة القادمة؟ لقد أخبرها بصدق أنه فخور بما وصلت إليه من نجاح وأنه سيكون أكثر سعادة لو ساهم في إكماله.
وازدادت حيرتها وهي تقارن بين مشاحناتهما الماضية حينما كانا صغاراً ورقته وعذوبته منذ قليل...
وأخيراً...إمتثلت(سارة) لنصيحة شقيقتها وقامت لتتوضأ.

*****************************************

6- بعد تفكير عميق وتردد طويل وافقت(سارة) على الخطبة بعد أن خضعت لعملية تغيير جذرية على يد(نهاد) شقيقتها ومصففة الشعر، فقد غيرت تصفيفة شعرها تاركة إياه على طوله الجديد وسمحت بتفتيح بعض خصلاته لتعطيها مظهراً شقياً يخالف شخصيتها الجادة، كما إستجابت لإلحاح(نهاد) وغيرت نظارتها الطبية ذات الإطار العاجي إلى أخرى بدون إطار، بل وارتدت_ لأول مرة في حياتها_العدسات اللاصقة في حفل خطبتها.
وبعد عقد الزواج عاد(باسل) إلى لندن لينهي إجراءات إستقدام زوجته وإلحاقها بالجامعة لإستكمال دراستها.
وأخيراً...وفي الموعد المحدد تم الزفاف، وتألقت(سارة) إلى جوار(باسل) وكونا ثنائياً من أجمل و أوسم الأزواج، وقضيا ليلة زفاف من ليالي ألف ليلة وليلة. ولأول مرة شعرت(سارة) بالسعادة إلى جوار(باسل)، فقد كان يحقق لها أقصى ما تمنت في ليلة زفافها إن لم يكن أكثر، وحينما وقفت معه لتقطيع كعكة الزفاف نظرت إليه بامتنان أدهشه إلا أنه لم يعلق.
وبعد إنتهاء الحفل إصطحب(باسل) عروسه إلى جناحهما في نفس الفندق، وهناك جلس على طرف الفراش يتأملها وهي تخلع طرحتها في هدوء قبل أن يسألها بابتسامة لطيفة ـ"هل راق لك الحفل؟"
إبتسمت(سارة) في خجل وهي تستدير إليه قائلة بإمتنان ـ"لقد كان رائعاً، أشكرك على كل ما فعلته من أجلي."
نهض إليها وتناول كفيها بين كفيه يلثمهما قائلاً ـ"لقد كان هدفي إسعادك، والحمد لله أنني نجحت في ذلك."
تخضب وجهها في شدة إثر لمسته الدافئة وخفضته أرضاً في خجل زادها جاذبية فوضع(باسل) أنامله تحت ذقنها ليرفع وجهها الخجول إليه ومال يقترب بوجهه منها.
ولدهشته فقد شعر بكفها تتحول فجأة إلى قالب من الثلج في راحته وهي ترتجف رغماً عنها وتبتعد بوجهها عن وجهه.
للحظات تقلصت أمعاؤه وهو يشعر بالصدمة إلا أنه ما لبث أن تماسك منتظراً تفسيرها لما حدث. ولم تضن عليه عروسه بهذا التفسير إذ قالت بتردد وخجل عميقين ـ"أعذرني يا(باسل)، أنا لم أعرف الحب يوماً، وسأحتاج لبعض الوقت."
بدا الإرتياح على وجهه وعادت إبتسامته اللطيفة تنيره وهو يقول بهدوء ـ"وأنا لن أتعجلك. صراحتك هذه لا تزعجني، على العكس...إنها تسعدني.معنى أنك لم تعرفي الحب أنك على إستعداد لمعرفته معي. أما لو قلت أن شخصاً آخراً_لا قدر الله_ في قلبك لتضاءلت فرصتي في الحصول عليه. مازال العمر طويلاً أمامنا حتى تتأكدين من مشاعرك نحوي. المهم هو أن تثقي في مشاعري أنا نحوك وفي أنني مستعد لفعل أي شيء من أجل إسعادك."
بدا عليها الحرج لأنها أحبطته إلا أنه قال في مرح ليغير دفة الحوار ـ"لا بد وأنك مرهقة مثلي، فأنا لم أنم منذ البارحة وسأسقط نائماً بعد قليل. لا تنس أننا سنستيقظ مبكراً من أجل موعد طائرة الغردقة. إتفقنا؟"
منحته ابتسامة عذبة خلبت لبه وهي تجيبه قائلة ـ"إتفقنا."
وفي أعماقها بدأ(باسل) يحتل مكانة أرفع من ذي قبل.

**************************************

7-أوقف(باسل) سيارته الرياضية أمام منزله في لندن وأشار إليه قائلاً لزوجته ـ"هذا هو عشنا الهاديء.هل يروقك؟"
نظرت(سارة) من خلال زجاج السيارة إلى البيت تتأمله في شغف. كان بيتاً صغيراً أنيقاً لا يختلف كثيراً عن البيوت المحيطة به ويتميز بالطابع الإنجليزي الراقي، يرتفع في طابقين يظللهما أسقف مائلة ذات منظر جذاب وتحيط به حديقة صغيرة منمقة داخل سور خشبي أبيض.
بهرها جمال المنزل فهمست بانبهار ـ"ما شاء الله لا قوة إلا بالله...إنه رائع."
رمقها بنظرة هائمة وهو يهمس هو الآخر قائلاً ـ"وسيزداد روعة حينما تسكنينه."
تخضب وجهها في سرعة كعادتها فقال ليغير الحوار ـ"أرجو أن يروقك من الداخل أيضاً."
قالها ودار بالسيارة ليدخلها المرأب قبل أن يخرج كلاهما منها ليتجها سوياً إلى المنزل. وفي خبث شاكسها(باسل) قائلاً ـ"يقولون هنا أنه فأل سيء إذا لم أحملك أول مرة تدخلين فيها المنزل."
إلتفتت إليه في حركة سريعة وهي تقول في حرج ـ"عندنا الفأل السيئ هو ألا تدخل المنزل برجلك اليمنى."
هز كتفيه قائلاً بالإنجليزية ـ"عندما تكون في روما، إفعل ما يفعله الرومان."
تراجعت في حدة والخجل يملؤها وعلى وجهها حرج بالغ فضحك(باسل) قائلاً ـ"(سارة)!! سيبدأ الجيران في مراقبتنا وسيتساءلون لماذا لم أحملك، وفري علينا هذا الإحراج."
أغمضت عينيها وتركته يحملها بين ذراعيه في سهولة_ بعد أن فتح الباب_ ويدخل بها البيت بقدمه اليمنى قبل أن يقول بارتياح ـ"افتحي عينيك الآن يا أميرتي، أنت في منزلك..أقصد مملكتك."
فتحت عينيها وذراعاها ما زالا حول رقبته ودارت ببصرها سريعاً في الردهة وحجرة الإستقبال، ثم رفعت رأسها لتتأمل الدرج المؤدي للطابق العلوي قبل أن تعود بوجهها إلى وجهه قائلة بإنبهار ـ"ما شاء الله، لا أصدق أن هذا بيتنا."
رفع(باسل) حاجبيه في دهشة وهو يتأمل ملامحها الجميلة والسعادة بادية على وجهها قائلاًـ"بيتنا؟! لأول مرة تجمعيني معك في ملكية شيء."
تاهت في عينيه الحنونتين قائلة ـ"لا بد من الجمع، بيتنا وحياتنا و..."
قاطعها هامساًـ"وحبنا."
إزداد خجلها ففكت ذراعيها من حول عنقه لتنزل، وحينها سارت أمامه تتأمل الردهة و أثاثها بتمعن، وراقبها بعينين باسمتين في صمت وهي تتنقل من ركن إلى ركن في خفة قبل أن تستدير إليه قائلة ـ"ذوقك راقي جداً، لا داعي لتغيير أي من الأثاث."
اتسعت ابتسامته وهو يقول ـ"لم أغير سوى أثاث حجرة النوم، بمعنى آخر أصبح لدينا حجرتين، من أجل حالات الطوارئ لا قدر الله."
ضحكت بخفوت فتابع مشيراً إلى حقيبتي سفر كبيرتين ـ"سأحمل الحقائب التي أحضرها(بشر) إلى غرفتنا بأعلى ثم آخذ حماماً دافئاً، فعضلاتي كلها متيبسة من القيادة."
أومأت برأسها قائلة ـ"وسأواصل جولتي في المنزل."
أرسل إليها قبلة في الهواء وهو يحمل الحقائب متجهاً إلى الطابق العلوي، وواصلت هي تجولها حتى وصلت للمطبخ فدارت بعينيها في أرجائه. كان المطبخ واسعاً تتوسطه طاولة تتسع لأربعة أفراد، جلست على أحد مقاعدها لثوان قبل أن تنهض متجهة إلى باب المطبخ المؤدي إلى الحديقة الخلفية، التي تأملتها للحظات، ثم ما لبثت أن استدارت إلى أحد الأركان حيث كان المبرد قابعاً. وبحركة غريزية إتجهت إليه وفتحته، ولدهشتها فقد كان الطعام مصفوفاً بداخله في نظام، وتحرك سؤال سريع بداخلها ـ"ترى من أين أتى هذا الطعام؟"
لم تدر كم من الوقت مضى وهي تتأمل حجرات المنزل، حيث صعدت للطابق العلوي ودخلت غرفة نومهما في حذر. كانت جديدة كما قال(باسل)، حتى لكادت تشم رائحة طلاء الأثاث والحوائط، وكان ذوقها رفيعاً كباقي أثاث المنزل.وفي هدوء إقتربت(سارة) من طاولة الزينة والتقطت فرشاة لتمشط بها شعرها وتعيد تنظيمه بعد أن أفسده هواء الطريق.
وبعد أن ملت الجلوس وحيدة في الغرفة فكرت أن تخرج لترى الغرفة الأخرى، غرفة الطوارئ. ترى كيف تبدو؟! كيف كان يعيش قبل زواجهما؟!
أثارتها الفكرة فاتجهت صوب الباب، وما كادت تصل إليه حتى فوجئت بـ(باسل) أمامها في رداء الحمام مغطياً رأسه ووجهه بمنشفة يجفف بها شعره المبلل فإرتطمت به وإنطلقت من حلقها شهقة ذعر أفزعته فأزاح المنشفة عن وجهه في سرعة ليراها شاحبة الوجه، باردة الأطراف. وفي إشفاق حنون ربت على وجنتيها قائلاً ـ"لا تخافي يا حبيبتي، أنا(باسل)."
دفنت وجهها في كتفه وجسدها يرتجف رغماً عنها، فأحاطها بذراعيه في حنان وهمس في أذنيها قائلاً ـ"لم أقصد إخافتك، صدقيني."
ارتبكت حين شعرت بقربها منه إلى هذه الدرجة، فتمالكت نفسها وهي تبتعد عنه في رفق وتزيح خصلة من شعرها خلف أذنها قائلة بحرج ـ"آسفة، لقد بالغت في ردة فعلي."
رفع حاجبيه في دهشة ثم ما لبث أن قال بإحباط ـ"آه، لا عليك.هل راقك المنزل؟"
ولم يهتم بمعرفة إجابتها، إذ دلف إلى الغرفة وهو يواصل تجفيف شعره بالمنشفة، ولم يندهش حينما نظر في المرآة ولم ير انعكاس صورتها فيها. كان من الواضح أنها خرجت من الغرفة.
وبعد أن أكمل ارتداء ملابسه هبط إلى الطابق السفلي ليجدها جالسة على مقعد وثير فتنحنح حتى لا تفزع ثانية قبل أن يسألها في هدوء ـ"هل أعد لك القهوة معي؟"
قفزت من مقعدها في سرعة قائلة بحماس بدا غريباً عليها ـ"سأعدها معك. بالمناسبة، ما هذه الأطعمة في المبرد؟ هل إنتهت صلاحيتها؟"
عاد إلى طبيعته الحنون وثنى ذراعه لتتأبطها وهو يجيبها بابتسامة لطيفةـ"لا، إنها جديدة. لقد أحضرها(بشر) أمس."
صحبته إلى المطبخ ووقفت تراقبه وهو يعد آلة القهوة ثم اتجهت إلى دولاب الأواني وفتحته لتُُخرج قدحين وضعتهما على المائدة وجلست مستندة بذقنها على راحتها قائلة باهتمام ـ"أخبرني كيف تعارفت أنت و(بشر)."
إلتفت إليها ورفع حاجبيه في دهشة حينما لمح الأقداح، فرفعت كتفيها قائلة بابتسامة مرحة ـ"لا تنس أن المطبخ مملكتي، ولا بد أن أعرف كل شيء فيه."
منحها ابتسامة حنون ثم قال ـ"لقد تعارفنا حينما إنتقلت للإقامة هنا. (بشر) يعشق كرة القدم، وعندما علم أن(باسل حسان) جاره أتى للترحيب بي في المنطقة وأخبرني أنه مهندس كمبيوتر مغربي وقدم لي زوجته(مليحة). إنهما ثنائي لطيف للغاية، وصرنا أصدقاء في سرعة. وجودهم معي يشعرني بأنني لست بعيداً عن وطني، ربما بسبب اللغة."
وافقته بإيماءة من رأسها قائلة بحماس ـ"لقد أحببت(مليحة) منذ رأيتها في المطار. لقد رحبت بي وكأنها تعرفني من زمن."
هز كتفيه قائلاً ببساطةـ"إنها تعرفك بالفعل، وتعرف جميع أفراد أسرتي مثلما أعرف جميع أفراد أسرتهم. صداقتنا تعدت حدود الجيرة بمراحل، و إلا ما تركت لهم مفتاح البيت والسيارة في غيابي. لقد أتى(بشر) بسيارتي إلينا في المطار وقادت(مليحة) سيارتهما، ثم أخذا حقيبتي ملابسنا الكبيرتين وأحضراهما إلى هنا، ورتبا المنزل والمبرد. إننا تقريباً أسرة واحدة."
أومأت برأسها متفهمة فتابع قائلاً ـ"ومفاتيح منزلهم وسيارتهم معي أيضاً، لحالات الطوارئ، فقد أنسى مفاتيحي في أي وقت أو قد ينسى(بشر) مفاتيحه. لقد تركوا البيت في عهدتي أيضاً عندما سافرا لقضاء أجازتهم السنوية."
أشارت إلى المبرد قائلة ـ"وهل وضعت طعاماً لهم؟"
عدل ياقة قميصه بحركة مسرحية مصطنعة قائلاً ـ"بالطبع، يا حبيبتي زوجك هنا خليفة(حاتم الطائي)."
همت بمشاكسته حينما ارتفع أزيز آلة القهوة فأجفلت للحظة قبل أن تضحك في مرح للنظرة التي ارتسمت على وجهه واتجهت لتصب القهوة وسمعته يقول ـ"(مليحة) ما زالت في عملها، بعد أن نشرب القهوة حاولي الاسترخاء قليلاً لأنهما سيأتيان لزيارتنا في المساء، إتفقي معها على موعد مناسب لتذهبا سوياً إلى الجامعة."
تغيرت ملامحها وهي تسأله بضيق ـ"ألن تأتي معنا؟"
هز كتفيه قائلاً ـ"لا أعلم بعد. (مليحة) تعمل معك في الجامعة وستكون غالباً رفيقتك في رحلتي الذهاب والعودة اليومية، صحيح هي باحثة في علم النفس إلا أنها تعمل في نفس المكان."
ارتشفت قليلاً من القهوة الساخنة التي لسعت حلقها ولم تنبس ببنت شفة، فإقترب بوجهه من وجهها قائلاً في خبث ـ"هل ستفتقدينني؟"
هزت رأسها نفياً واهتز معه شعرها ليتبعثر حول وجهها بشكل مثير فعقد حاجبيه وهو ينظر إليها في ضيق فقالت بخبث هي الأخرى ـ"كيف أفتقدك وصورتك إلى جوار الفراش وفي الردهة والمكتبة والجوال، والأهم...اسمك حول بنصري. لا تقلق، لن أفتقدك."
رفع أحد حاجبيه ووضع ذراعه في خاصرته قائلاً بعجرفة مصطنعة ـ"أنا أيضاً لن أفتقدك."
رمقته بنظرة نارية مفتعلة جعلت ابتسامته تتحول إلى ضحكة صافية وهو يتأمل عينيها هامساً ـ"كيف أفتقدك وصورتك محفورة داخل قلبي؟ سأقبل دبلة زواجنا كلما تذكرتك وأتخيلها أنت."
تضرج وجهها خجلاً فتابع مغيراً دفة الحوار قائلاً ـ"بالمناسبة، لقد فتحت لك حساباً جارياً بالبنك به عشرون ألف جنيه إسترليني مبدئياً كي تنفقي منه على أبحاثك، وقبل أن ينتهوا سأضع لك مثلهم."
تقلصت عضلات معدتها فجأة وشعرت بحرج بالغ وهي تسمعه، إذ تذكرت فجأة قول أستاذها(فكري). شعرت لحظتها بدناءة موقفها مقابل نبل أخلاقه، ألم تتزوجه من أجل ذلك؟وهو يعطيها من ماله بكل بساطة لأنه يحبها حقاً ويريد نجاحها!!!.
وللحظة ثارت كرامتها وحدثتها نفسها مدافعة ’لقد تزوجته لأنه أنسب لي من غيره، ولأنني من حقي أن أتزوج. صحيح أنا لا أحبه الآن، لكني لم أعرف الحب من قبل، وربما كنت أحبه دون أن أدري‘
طال صمتها مما أثار قلق(باسل) الذي سألها ـ"فيم تفكرين يا حبيبتي؟"
تنهدت في عمق قائلة ـ"لا شيء."
ثم ابتسمت متابعة ـ"لقد تذكرت فجأة أنني نمت في عشرة أيام على أكثر من خمسة أَسِرَة، سريري ثم سرير الفندق في القاهرة ثم الغردقة و شرم الشيخ و دوفر وأخيراً فراشنا الجديد هنا. أرجو أن أعتاد عليه سريعاً لأنني مرهقة للغاية."

*************************************

8- أوقف(باسل) سيارته أمام بوابة الحرم الجامعي الخارجية وتنهد في عمق قبل أن يستدير إلى(سارة) الجالسة إلى جواره قائلاً بأسف ـ"كان بودي أن أصحبك للداخل، ولكنني تأخرت عن موعدي بالمعسكر."
ابتسمت قائلة بهدوء ـ"لا تقلق،(مليحة) معي وسيأتي(بشر) لاصطحابنا للمنزل. إعتن أنت بنفسك."
جاب ملامحها بعينيه في حب وتناول كفيها بين كفيه هامساً ـ"سأتصل بك كل مساء كما إتفقنا، وسأنتظرك يوم المباراة؛ وجودك ضروري جداً بالنسبة لي. التذاكر..."
قاطعته قائلة بابتسامة واسعة ـ"التذاكر إلى جوار التلفاز في غرفة المعيشة و المباراة بعد خمسة عشر يوماً و أربع ساعات؛ لا تقلق يا(باسل)، سأحضرها إن شاء الله."
قبل كفيها في حنان ثم عاد يتأمل ملامحها ملياً قائلاً في وله ـ"سأفتقدك."
داعبت بنصره الأيسر والدبلة حوله قائلة ـ"تذكر أن إسمي محيط بإصبعك وأن صورتك معي. هيا، ستتأخر عن موعدك."
كان أهون عليه أن يخلع ضرساً أو ضلعاً ولا يتركها، إلا أنه تماسك وهو يقبل جبهتها ثم ابتعد قائلاً بصوت مبحوح ـ"لا إله إلا الله."
رفعت عينيها إليه وهيئ إليها للحظات أن دمعتين تحجرتا في مقلتيه وأنهما ستفران في أية لحظة فقالت في سرعة وهي تسحب كفيها من كفيه ـ"محمد رسول الله. إحترس في القيادة."
قالتها وخرجت في سرعة من السيارة ومعها حقيبة أوراقها وتبعتها(مليحة) التي كانت تجلس في المقعد الخلفي وتتابع المشهد في صمت، وما كادت تخرج حتى عاتبت(سارة) قائلة ـ"ما هذا الوداع الجاف؟(باسل) كان يتمزق وهو يودعك وأنت حتى لم تعانقيه."
لوحت(سارة) بكفها لـ(باسل) الذي انطلق بالسيارة مبتعداً ثم إلتفتت إلى(مليحة) قائلة في خجل ـ"كيف أعانقه على الملأ؟"
رفعت(مليحة) حاجبيها في دهشة ـ"الملأ؟! لقد كنتما في السيارة، ثم أنك في لندن يا حبيبتي ولست في القاهرة."
قالت(سارة) بإصرارـ"ولكني ما زلت شرقية، وتقاليدنا لا تسمح بذلك."
هزت(مليحة) كتفيها بلا مبالاة قائلةـ"هذا شأنكما، هيا بنا إلى العمل."

*********************************

9- كانت(مليحة) إسماً على مسمى، فملامحها الشرقية كانت ممتزجة بالجمال الأسباني الغجري وواضحة في عينيها النجلاوين شديدتي السواد وقامتها الطويلة الرشيقة وشعرها الفاحم الطويل الذي تجعده هي بنفسها لتبدو غجرية في ثياب مدنية. إلا أنها على أية حال كانت جميلة، والأهم أنها و(سارة) صارتا صديقتين منذ أول لقاء، عربيتان في لندن جمعت بينهما اللغة والغربة والجيرة والعمل.
ومرت أربعة عشر يوما على عملها قضتها(سارة) في بحث دءوب وعمل لا يتوقف حتى بهرت مشرفها الجديد بنشاطها وهمتها.
وداوم(باسل) على الاتصال بها كل ليلة حتى كانت ليلة المباراة، ليلتها لم يطل الحديث لأن المدرب أمره لاعبيه بالنوم مبكراً، فأنهى(باسل) اتصاله بزوجته في سرعة.
ليلتها فقط شعرت(سارة) بمدى إفتقادها له، وربما كان هذا السر وراء تركها جهاز الكمبيوتر في حجرة المكتب وإتجاهها إلى المطبخ لتطهو أنواع الطعام التي يحبها. كانت أول مرة تطهو شيئاً من أجله، شيئاً تتحرق شوقاًُ لمعرفة رأيه فيه.
وفي صباح يوم المباراة أنهت عملها في الجامعة سريعاً ووقفت مع(مليحة) أمام الباب الخارجي في إنتظار(بشر) ليصحبهما إلى الملعب.
وهناك ركزت كل إهتمامها على اللاعب رقم10 في الفانلة الحمراء والشورت الأبيض. تابعته بعينيها وهو يحاور ويناور وينجح في الإفلات من لاعبي الفريق الخصم وتعانق كرته الشبكة، ولدهشتها فقد وجدت نفسها تقفز من مقعدها مهللة مثلما فعل بقية مشجعي النادي رغم أنها تشاهد هذه اللعبة لأول مرة في حياتها.
ولأول مرة شعرت بالزهو حينما سمعت كلمات الإعجاب والإطراء تنهال على(باسل) من حولها. لحظتها ودت لو هتفت بينهم قائلة أنها زوجته، وأنه حينما قبل بنصره والدبلة حوله كان يقبلها هي؛ إلا أن خجلها منعها فاكتفت بمراقبته من موضعها والتلويح له بكفها في سعادة.
وتكرر المشهد مرة أخرى بعدها بدقائق حتى صار مشجعي الفريق أشبه بثيران هائجة من السعادة وهم يتصايحون باسم(باسل). كل هذا زادها سعادة. لقد تزوجت من رجل ناجح ومحبوب أياً كان مجال عمله، والمهم أنه رغم شهرته لا يحب سواها.
وقبل إنتهاء المباراة بدقائق مال(بشر) في اتجاهها قائلاًـ"هيا لتستقبلي(باسل) في غرفة الملابس."
نهضت هي و(مليحة) في سرعة وتبعتاه وسط الزحام حتى غرفة الملابس إلا أن الحارس رفض مجرد اقترابهم ولم يقتنع إلا عندما قالت(سارة) في ثقةـ"أنا زوجته."
حينها فقط سمح لها بالانتظار بالقرب من الغرفة مع مجموعة أخرى من زوجات لاعبي الفريقين.
وأخيراً انتهت المباراة وتوافد اللاعبين ما بين مكتئب ومبتهج وهي تبحث بعينيها عنه، عن الرجل الذي قالت عنه بثقة’أنا زوجته‘.
ولم يطل انتظارها، فمن بعيد تعلق بصرها به وهو يقترب محادثاً زميلاً له حتى التفت في اتجاهها وإلتقت أعينهما.
لحظتها إختفت كل الأصوات وأضواء الكاميرات المحيطة بهما وشعرا كما لو كانا وحيدين في هذا المكان؛ فقط هو وهي.
وإبتسمت له وإبتسم لها تاركاً زميله ليتجه إليها في خطوات أقرب للعدو ماداً ذراعيه إليها.
هي الأخرى كادت ترتمي بين ذراعيه إلا أنها مدت ذراعيها عن آخرهما لتلتقي أكفهما وعيناها معلقتان بعينيه قبل أن تهمس ـ"مبروك."
تمالك أعصابه وهو يكاد يلتهم ملامحها بعينيه في شوق، وأسند جبهته إلى جبهتها هامساً ـ"وجهك الحسن جلب لنا الفوز. أنت ملهمتي."
قالها وهو يقبل كفيها كعادته منذ زواجهما قبل أن يهمس قائلاً ـ"أحبك يا تعويذتي السحرية."
وإنتبه لحظتها لـ(بشر) وزوجته فصافحهما في حرارة و تقبل تهانئهما بابتسامة واسعة قبل أن يهم بدخول غرفة الملابس، حينما إستوقفه زميله الذي كان برفقته قائلاً بود ـ"ألن تعرفني على أصدقائك؟"
رفع(باسل) حاجبيه للحظة ثم ما لبث أن قال في سرعة ـ"أوه..(مايك).. هذه زوجتي دكتور(سارة)، وهذا صديقي المهندس(بشر) وزوجته دكتور(مليحة)."
صافحهم(مايك) بود ظاهر وهو يقول لـ(سارة) ـ"تهانئي القلبية يا سيدتي، لا بد وأنك أنت السبب وراء تألقه اليوم. بالمناسبة، سنقيم إحتفالاً اليوم. ألن تأتوا؟"
إبتسم(باسل) في حرج قائلاًـ"لا أعتقد ذلك..سأعود للمنزل مع زوجتي."
أصر(مايك) قائلاً بابتسامة ودود تملأ عينيه الزرقاوين ـ"مستحيل، سنحتفل بزواجك أنت ودكتور(سارة). لابد وأن تحضرا، على الأقل لتتعرف زوجتك على زوجاتنا، أقصد زوجات الزملاء."
إبتسمت(سارة) لدعابته وتبادلت نظرة سريعة مع زوجها الذي قلب كفيه قائلاً بإستسلام ـ"حسناً، سنحضر ولكن لفترة قصيرة، سنعود بعدها للمنزل. بالطبع يمكنني إصطحاب من أشاء."
دعاه(مايك) بثقة قائلاًـ"بالطبع، أحضر كل من تحب."
ورغم ذلك إعتذر(بشر) وزوجته عن مرافقتهما وذهب(باسل) و(سارة) وحدهما للإحتفال مع أعضاء الفريق وزوجاتهم.
وأخيراً عندما أوقف(باسل) سيارته الرياضية في المرأب تناهى إلى مسامعه رنين الهاتف، فخرجت(سارة) مسرعة نحو المنزل ورفعت السماعة لاهثة الأنفاس لتجد حماها على الطرف الآخر يهتف بارتياح ـ"ألو يا(باسل)..أين كنتم؟ ولماذا تغلق هاتفك المحمول؟"
أجابته(سارة) في سرعة ـ"أنا(سارة) يا عماه. كيف حالكم جميعاً؟"
ضحك الرجل ضحكة قصيرة وهو يقول ـ"مرحبا يا(سارة). نحن بخير والحمد لله. كيف حالكم أنتم يا ابنتي؟ أين(باسل)؟ أنا أحاول الإتصال به منذ إنتهاء المباراة دون جدوى."
التفتت ناحية الباب تتابع إقتراب(باسل) وهي تجيبه ـ"لا تقلق يا عماه. لقد إنتهى شحن هاتفه، وهو الآن يوقف السيارة في المرأب. هاهو يقترب."
إلتقط منها (باسل) السماعة في سرعة وهو يهتف بسعادة ـ" أهلا يا أبي. كيف أحوالكم جميعاً؟"
هنأه والده بالفوز قائلاً ـ"بخير مادمت ترفع رأسنا دوماً."
جلس(باسل) على الأريكة المجاورة للهاتف ليواصل حديثه مع والده في حين وقفت(سارة) تراقبه. تابعت إبتسامته المضيئة والحنان الذي يملأ عينيه، ووجدت نفسها تجلس إلى جواره وعيناها معلقتان بوجهه وتعبيراته. لحظتها فقط أدركت أنها افتقدت هذه الملامح طيلة الأسبوعين الماضيين، وأنها كانت بحاجة إلى ضحكته الصافية تلك كي تخفف من وحدتها.
وإنتقلت عيناها لاإرادياً إلى كفه اليسرى الرابضة على الأريكة إلى جواره وإلى دبلة زواجهما في بنصره، الدبل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kingbisso.yoo7.com
 
الحقيقة هى...الحب... الكاتبة رباب فؤاد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مجموعة رنات من افضل اغانى محمد فؤاد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
Pharaoh Lover :: اخرى :: قسم الروايات-
انتقل الى: